عبد الباري عطوان
الرئيس السوري بشار الأسد مُقِل في إعطاء مُقابلات صحافيّة طويلة، سواءً لمحطّات التّلفزة أو الصّحافة المَكتوبة، ولكن مُقابلته المُطوّلة (6439 كلمة) التي أدلى بها إلى محطّة تلفزيون “روسيا اليوم” باللّغة الإنكليزيّة وجرى بثّها كاملةً اليوم الاثنين تُعتبر على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة لما اتّسمت به من صراحةٍ ومعلوماتٍ تُنشر للمرّة الأُولى، حسب اعتِقادنا.
كثيرةٌ هي المَعلومات المُهمّة التي وردت في إجابات على 30 سُؤالًا، لكنّنا سنتوقّف عند أربعٍ منها نعتقد أنّها تُقال للمرّة الأُولى على لسان الرئيس الأسد بالصّوت والصّورة ممّا يجعلها أقرب إلى التّوثيق منها إلى المُقابلة الصحافيّة:
الأولى: النّفي القاطع لما كان رائجًا بقوّةٍ في بداية الأزمة السوريّة، من أنّ أبرز أسباب هذه الحرب هو رفضه، أيّ الرئيس الأسد، بالسّماح لخط أنابيب غاز قطري عبر أراضي بلاده وتركيا إلى أوروبا لمُنافسة الغاز الروسي، وكشَف للمرّة الأولى أنّ هُناك فِعلًا خط أنابيب نفط وغاز كان أحد أسباب الحرب على سورية، ولكنّه لم يكُن قطريًّا من الجنوب إلى الشّمال، وإنّما “إيرانيًّا” من الشّرق إلى الغرب، وأنّ أنبوب النّفط هذا كان إيرانيًّا يمتد عبر الأراضي العِراقيّة ثم السوريّة، وإلى البحر المتوسط، ومُوافقة سوريّة على مَد هذا الأُنبوب هو الذي عجّل بالحرب، وتفجير الأزَمة السوريّة لمنعه.
وما يُؤكِّد هذه المعلومة المُهمّة جدًّا في رأينا، أنّ دُوَلًا خليجيّةً، من بينها دولة قطر والمملكة العربيّة السعوديّة عرَضت عشَرات المليارات من الدّولارات على سورية في حينها من أجل الابتعاد عن إيران، وعدم السّماح بهذا الأنبوب، واعترف الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري الأسبق، أنّه عرَض على الرئيس الأسد منحةً بحُدود 15 مِليار دولار كدفعة أولى لقطع العلاقات مع إيران، والابتعاد عنها، ويُعتَقد أنّ أمريكا كانت خَلف هذا العرض.
الثانية: تأكيده أنّ الولايات المتحدة التي دعمت “الدولة الإسلاميّة” (داعش) وتستّرت، بل وساعدت في تهريبها للنّفط السوري المَسروق عبر الأراضي التركيّة ومِنطقة كردستان العِراقيّة، لم تحتل شِمال شرق سورية حيثُ احتياطات النّفط والغاز طمعًا بثرواتها أو الحاجة إليها، لأنّها ليست بحاجةٍ إلى النّفط وعوائده (30 مليون دولار شهريًّا)، فهي أكبر دولة مُنتجة للنّفط (12 مِليون برميل يَوميًّا) في العالم، وإنّما لاستخدام هذه المِنطقة وثرَواتها النفطيّة والزراعيّة كورقة مُساومة وابتزاز في أيّ مُفاوضات مُقبلة.
الثالثة: تأكيده أنّ استعادة إدلب لن يستغرق وَقتًا طويلًا إذا ما بَدأ الجيش العربي السوري هُجومه عليها، وأنّ سبب التمهّل هو إعطاء فُرصة للمدنيين للمُغادرة إلى المناطق التي تُسيطر عليها الحُكومة، ولُوحِظ أنّ هُناك جِهات (جبهة النّصرة) لا تسمح لهم بالعودة إلى الحُضن السوري، وتُريدهم رهائن.
الرابعة: لا يتوقّع الرئيس الأسد بِدء عمليّة إعادة الإعمار قريبًا، ليس بسبب الحِصار الأمريكيّ فقط، وإنّما لمنع الإدارة الأمريكيّة أيّ شركة أمريكيّة أو أوروبيّة للاستثمار في هذه العمليّة وتهديدها بتعرّضها لعُقوبات، ولذلك ستتم عمليّة الإعمار بالتّدريج، واعتِمادًا على الموارد البشريّة السوريّة الكَفُؤة، والتّأكيد على أمرين، أنّه لن يتم السّماح مُطلقًا لأيّ دولة وقَفت ضِد سورية، من المُشاركة في عمليّة الإعمار، والثّاني أنّ الفُرصة الأكبر ستَكون للدّول الصّديقة وشركاتها مِثل الصين وروسيا وإيران.
***
لا شَك أنّ النّقطة الأولى المُتعلّقة بخط أنابيب النّفط والغاز الإيرانيين ستَكون محطّ اهتمام كُل الدّارسين والباحِثين والمُؤرّخين للأزمة السوريّة، وتطوّرات الأحداث في المِنطقة أيضًا، لأنّها قلَبت كُل النظريّات السّابقة، ونسَفتها من جُذورها، وربّما هذا ما يُفسِّر وضع إيران، وكُل حُلفائها، ثُقلهم خلف السّلطة السوريّة، مادّيًّا وبشَريًّا لمنع تغيير النّظام.
سورية كانت وما زالت ضحيّة “مُؤامرة” رسَمت الولايات المتحدة خُطوطها ووزعّت الأدوار على المُشاركين فيها، عربًا كانوا أم أوروبيين بعنايةٍ فائقةٍ، ولعلّ ما يجري حاليًّا من تحرّكاتٍ وتحشيداتٍ ضِد إيران، وفرض العُقوبات عليها، والانسحاب الأمريكيّ من الاتّفاق النووي تجاوبًا مع رغبةٍ إسرائيليّةٍ يُؤكّد ما قاله الرئيس الأسد، لأنّ وصول النّفط والغاز الإيرانيين إلى شواطِئ المُتوسّط سيَقلِب كُل مُعادلات القوّة والثّروة معًا.
رأي اليوم