تقارير إعلامية تشير إلى أن ممثلي الجيش عرضوا أمام رئيس الحكومة مستوى “متوسطاً” من الكفاءة لشنّ عملية واسعة ضدّ إيران (مع أو من دون اتفاق نووي مع الولايات المتحدة)، تتضمن أيضاً هجمات جوية.
شهدت الأيام القليلة الماضية تسارعاً في الخطوات التمهيدية على خط إقرار الميزانية الأمنية للعامين 2021 و2022، الأمر الذي أعاد الملف إلى صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي. أولى الخطوات العملية على هذا الطريق، انعكست في إعلان اتفاق مشترك (تسوية) على حجم الميزانية بين رئيس الحكومة ووزيري المالية والأمن، أول من أمس الأربعاء.
وبحسب بيان صدر عن الأطراف الثلاثة، جرى الاتفاق على حجم ميزانية أمنية بقيمة نحو 58 مليار شيكل سنوياً (الدولار الواحد يساوي 3.25 شيكل)، تتضمّن زيادة لمواجهة تحديات جديدة، على رأسها بحسب تقارير إعلامية “تعطيل المشروع النووي وتأخيره وردعه وإحباطه، وأيضاً النشاط الإيراني في الشرق الأوسط”. ورغم أن الميزانية زيدت، إلا أن الجيش لم يحصل على كامل الزيادات التي طالب بها.
وخلافاً للعادة، أشارت تقارير إلى أن الميزانية الأمنية مرّت هذه المرّة “بهدوء نسبي”، ومن دون سجالات صاخبة بين وزارتي المالية والأمن. مع ذلك، أثار وزير المالية أفيغدور ليبرمان نقاشاً غير معهود تمحور حول أولويات المشتريات الأمنية، الأمر الذي رفضته المؤسسة الأمنية، ورأت فيه تدخلاً في اختصاصها. كما تحدثت تقارير عن سماع انتقادات حول أن الميزانية، كما سابقاتها، لا تستجيب للإهمال المزمن في سلاح البر.
اتفاق على حجم الميزانية
بعد سلسلة من المداولات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في وزارة الأمن على مدى الأشهر الستة الماضية، وبعد “بحث جوهري” بين وزير الأمن بني غانتس، ووزير المالية أفيغدور ليبرمان، في الميزانية الأمنية والإضافة المطلوبة لمواجهة التحديّات المستقبلية، عُقد مؤخراً اجتماع برئاسة رئيس الحكومة نفتالي بينت، حيث جرى فيه الاتفاق على حجم الميزانية الأمنية للعامين 2021-2022.
وحيث إن العادة جرت على أن تُطالب المؤسّسة الأمنية والعسكرية خلال كل دورة ميزانية عامة بزيادات كبيرة على ميزانيتها، فإنّها طالبت هذه المرّة بزيادة نحو 7 مليارات شيكل (2.15 مليار دولار)، من أجل “إعادة تسليح الجيش وتعزيزه، وإعداده لضربة محتملة ضد إيران”. في المقابل، تعترض وزارة المالية على حجم هذه الزيادة، لأنها – برأيها – ستكون على حساب أولويّات أخرى، وفي المحصلة حصل الجيش على زيادة بنحو 3.1 مليارات شيكل.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الأمن والجيش الإسرائيلية تعمل من دون ميزانية مُقرّة (مُنتظمة) على مدار ثلاثة أعوام، حيث فشِلت الحكومة السابقة في تمرير الميزانية لعامي 2020 و2021.
وحُدّدت الميزانية بنحو 58 مليار شيكل، إضافة الى نحو 4 مليارات دولار أميركي من المساعدة العسكرية الأميركية ( هذه الميزانية لا تشمل النفقات الخاصة بالموساد والشاباك).
والاتفاق نفسه على الميزانية مثّل برأي معلقين: “النقطة الأهم، بعد نحو ثلاث سنوات عمل فيها الجيش الإسرائيلي من دون موازنة مصدّق عليها، ما عرقل الكثير من الخطط، إضافة الى أن الاتفاق منع الجو العام السلبي الذي يصاحب سجالات الميزانية، وغالباً ما تمسّ هذه السجالات بصورة الجيش”.
في السجال الذي خاضته مع وزارة المالية، تدّعي وزارة الأمن، ومعها الجيش الإسرائيلي، أن أموال الزيادة ضرورية لتحسين قدرات الجيش، بعد سنوات من الترشيد والتخفيضات. وتقول إنه مع ارتفاع قيمة الشيكل مقابل الدولار الأميركي، خلال العام الماضي، انخفضت عملياً قيمة المساعدات العسكرية الأميركية التي تتلقّاها “إسرائيل”، والبالغة نحو 4 مليارات دولار سنوياً – والتي يمكن إنفاق ربعها عبر مشتريات عسكرية في “إسرائيل”.
في المقابل، تردّ وزارة المالية ومعارضو زيادة ميزانية الأمن بأنه في خضم جائحة كورونا المستمرّة، من الأفضل إنفاق الأموال على تحسين أنظمة الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية، والتي عملت بأقصى حدودها خلال العام الماضي.
مزيدا من الأموال لمواجهة إيران
أشارت تقارير إعلامية إلى أن ممثلي الجيش عرضوا أمام رئيس الحكومة مستوى “متوسطاً” من الكفاءة لشنّ عملية واسعة ضدّ إيران (مع أو من دون اتفاق نووي مع الولايات المتحدة)، تتضمن أيضاً هجمات جوية.
وأضافت تقارير أن قسماً كبيراً من الاتفاق المخصص للتجهيزات، موجّه لشراء أسلحة وذخائر وتدريبات بغية إعداد الجيش الإسرائيلي، ولا سيما سلاح الجو، لهجوم محتمل ضد إيران. وفق ادعاء مصادر في وزارة الأمن، “النية هي تخصيص مبلغ بقيمة نحو 3.5 مليارات شيكل. يجري الحديث عن شراء منظومات متطورة وذخائر ذكية لطائرات مختلفة”.
في الجيش الإسرائيلي والموساد شدّدوا على الحاجة إلى بناء مجموعة متنوّعة من خطط العمل، لأنّه إذا وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية مع إيران، فسوف يفرض هذا على “إسرائيل” الاستعداد عملياً لنشاط مختلف تماماً، وليس بالضرورة لضربات جوية، مثل مهاجمة المفاعل النووي في العراق.
وبناءً على ذلك، طرح الجيش والموساد مطالب تتعلق ببناء القوة والموافقة على الخطط، بشكل منفصل ومجتمع، بهدف تعطيل المشروع النووي وتأخيره وردعه وإحباطه، وكذلك النشاط الإيراني في الشرق الأوسط.
خلاف على الأولويات
تجدر الإشارة إلى أن ثمّة اتفاقاً بين وزير الأمن بني غانتس، ووزير المالية أفيغدور ليبرمان (الذي كان سابقاً وزيراً للأمن) على ضرورة زيادة الميزانية الأمنية “في ظل التحديات الأمنية التي كبُرت، لكن الخلاف يتصل بالمبالغ، وبصورة غير معتادة أبداً، بأهدافها أيضاً”. حيث إن ليبرمان معني بأن تستثمر المؤسسة الأمنية موارد أكبر في سلاح البرّ، وخصوصاً في سلاح صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى ودقيقة، ويعتقد ليبرمان، بحسب تقارير إعلامية، أن المؤسسة الأمنية تستثمر أكثر من الّلازم في سلاح الجو على حساب البرّ. في المقابل، يعتقدون في المؤسسة الأمنية أنه ليس من وظيفة وزير المالية إدارة خطة تسلّح وزارة الأمن.
وتجدر الإشارة الى أنه خلال عمله وزيراً للأمن، حاول ليبرمان دفع فكرة إنشاء تشكيل صواريخ أرض – أرض دقيقة بمدى 300 كلم، يكون جزءاً من الذراع البرية للجيش الإسرائيلي. في كانون الثاني 2018 أقرّ الخطّة، وخصّص لها نحو نصف مليار شيكل من ميزانية الأمن.
حينها أيضاً اصطدم ليبرمان بمعارضة مسؤولين في المؤسسة الأمنية، الذين اعتقدوا أن إنشاء سلاح صواريخ مكلف جداً، وأن طائرات سلاح الجو قادرة على توفير استجابة بكلفة أقل والمهاجمة في لبنان بصورة لا تقل فعالية.
في المقابل، في المؤسسة الأمنية كانوا معنيين بتوجيه ميزانية الأمن إلى احتياجات يعتبرها وزير الأمن ورئيس الأركان أكثر إلحاحاً وأهمية، على سبيل المثال نحو 3 مليارات شيكل لمصلحة ما يُوصف بأنه “استعدادات للدائرة الثالثة”، أي: تجديد القدرات الهجومية للجيش الإسرائيلي في إيران، وهي أموال وُعد بها في الماضي.
وتتضمن الميزانية الجديدة نحو 750 مليون شيكل للجبهة الداخلية، والهدف الأساس هو التحصين، عبر بناء ملاجئ في المنازل الخاصة القريبة من السياج الحدودي مع لبنان. وتطالب وزارة الأمن بنحو 3 مليارات شيكل لمصلحة إقامة عائق بري جديد على الحدود الشمالية، واستبدال السياج القديم بين “إسرائيل” ولبنان، الذي بُني في سبعينيات القرن الماضي. وبحسب المؤسسة الأمنية، هذه المواضيع يجب أن تموّل من خارج ميزانية الأمن.
ولفتت تقارير إلى أنه يوجد إنجاز مهم للجيش، يتمثل في تأجيل تقصير فترة الخدمة العسكرية للرجال. حيث جرى الاتفاق على إلغاء تقصير فترة الخدمة إلى 28 شهرا حتى العام 2025. مدة الخدمة ستعود لتصبح 30 شهراً، بينما في موازاة ذلك، سيُشرّع قانون التجنيد، وسيتم إجراء إصلاح شامل في الخدمة.
وعلى مستوى خطة “تنوفا” المتعددة السنوات: “سوف تتيح الميزانية استمرار تطبيق الخطة التي رسمها كوخافي، بما فيها تعاظم قدرة الجيش، والتدريبات ومواصلة التغييرات في بنية الجيش”.
انتقادات للمؤسسة الأمنية والعسكرية
الأسباب والخلفيات التي طرحتها المؤسسة الأمنية كمسوّغات لزيادة الميزانية الأمنية كانت موضع تشكيك في أوساط المعلقين والمحللين. هؤلاء رأوا أن المؤسسة الأمنية تعمد، وعن قصد، إلى بثّ مخاوف ورسم سيناريوات مُرعبة عن حروب أو مواجهات على الحدود الشمالية أو الجنوبية أو مقابل إيران. وأضافوا أنه في هذا السياق يُجري الجيش الإسرائيلي عدّة مناورات على الحدود اللبنانية، ومصلحة الطوارِئ القومية في وزارة الدفاع أفادت باستكمال استعداداتها لإخلاء سكان الحدود، ورئيس هيئة الأركان العامة، أفيف كوخافي، تحدّث عن ضرورة تحسين الجاهزية بسبب تقدّم إيران في البرنامج النووي.
هذه التصريحات والأحداث، بحسب معلقين، حتى وإن كان بعضها قد جرى التخطيط له قبل موعد التخطيط للميزانية بوقت كاف، فإنها تنشد هدفا واحداً: التأثير على وزير الأمن أفيغدور ليبرمان ومسؤولي وزارة المالية في نقاشات بشأن موازنة الدولة، التي من المفترض أن تصدق عليها الحكومة في شهر تشرين الثاني 2022.
المصدر: الميادين نت