في نهاية عام 2002، تفشى أول وباء عالمي في القرن الحادي والعشرين، ألا وهو متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، المعروفة اختصارا باسم “متلازمة سارس”. الفيروس المسبب لهذا المرض قريب من فيروس كورونا.
من جنوب الصين، انتشر فيروس سارس إلى العالم المعولم (المتشابك) مما أسفر عن وفاة حوالي 800 شخص. ومع ذلك، تكتمت الحكومة والحزب الشيوعي الصيني في البداية على خبر انتشاره.
ووفقا لما كشفت الآن صحيفة “فيلت” الألمانية اليومية، فإن جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني (بي ان دي) قدم للحكومة الألمانية والسلطات الصحية في ألمانيا معلومات حول سارس وعملية انتشاره قبل أسابيع من الإعلان رسميا عنه.
وبحسب معلومات واردة من الدوائر الأمنية، فإن جهاز الاستخبارات الألماني تنصت على مكالمات واتصالات لاسلكية للحكومة الصينية. ولم يمنح هذا الأمر عملاء الجهاز معلومات حول المرض نفسه فحسب، بل أيضا عن الاستراتيجية الأولية للحكومة الصينية للتستر على تفشي المرض.
المخابرات الأمريكية ووسائل عديدة للعمل
وبطريقة مشابهة، تتصرف أجهزة المخابرات الأمريكية في أزمة فيروس كورونا (كوفيد – 19)، وفقا لتقارير حالية لوسائل إعلام. فقد تطابقت أخبار لوكالة رويترز مع الخدمة الإخبارية لآلة البحث “ياهو” على أن مدير الاستخبارات الوطنية، المسؤول عن جميع وكالات المخابرات الأمريكية الـ 17 أبلغ البيت الأبيض أنه أمر بالحصول على بيانات آنية حول أصل فيروس كورونا وتطوره وانتشاره والسيطرة عليه وتحليل كل ذلك.
إنها ليست بأي حال من الأحوال مسؤولية وكالة الاستخبارات الخارجية الأمريكية المعروفة، باسم سي آي ايه، فقط. فالولايات المتحدة هي واحدة من البلدان القليلة التي لديها جهاز استخبارات خاص بالمعلومات الطبية والصحية، وهو ما يعرف بالمركز الوطني للاستخبارات الطبية (ان سي ام آي) ، الذي يخضع لسلطة وكالة الاستخبارات الدفاعية (دي آي ايه).
ومن أجل جمع معلومات حول فيروس كورونا المستجد، أشارت مصادر، مطلعة على الأوضاع، إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تستخدم مجموعة واسعة من الوسائل من أجل الحصول على معلومات. وبصريح العبارة يعني ذلك أن البحث والتفتيش عن المعلومات ذات الصلة لا يقتصر على متابعة التقارير الرسمية أو وسائل الإعلام أو المصادر في الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإضافة إلى ذلك، تستخدم الأجهزة الأمريكية جميع أدوات الاستخبارات الأخرى من صور جوية وأقمار صناعية وعملاء ومخبرين وكذلك التنصت على عمليات الاتصال.
علاوة على ذلك فإن ما يهم الجواسيس على وجه الخصوص تتم التغطية عليه باستخدام عباءة الصمت الاحترافي. ومع ذلك فمن حيث المبدأ، يجب افتراض أن الولايات المتحدة ستستخدم بشكل متزايد أذرعها الاستخباراتية خاصة في الصين أو إيران، فيما يخص الكورونا.
ويمكن على سبيل المثال سؤال العملاء داخل القيادة الصينية أو المخبرين في وزارة الصحة الإيرانية، عن الأرقام غير الرسمية للمصابين أو عن طرق انتشار غير معروفة للعدوى أو استراتيجيات مكافحتها؛ وعندما يتوغل المتصنتون الأمريكيون في الاتصالات الحكومية، فإنهم يستمعون إلى ما يتعلق بالكورونا.
ماذا ينتج عن عمليات التجسس؟
لا يمكن لعمليات التجسس وأجهزة الاستخبارات علاج كورونا ولا وقف انتشاره، ولكن يمكنها تزويد صناع القرار بمعلومات تسهل اتخاذ القرارات المدروسة. وبهذا يمكن الحد من القلق، ويمكن التعرف على مكان انتشار المرض بشكل أفضل، وتقييم خطط وقدرات التنفيذ في الخارج أيضا بشكل أفضل.
وبالطبع يتعلق الأمر أيضًا بتقييم الأضرار السياسية والاقتصادية والتعرف عليها. وينطبق هذا أيضًا على حملات التضليل المنتشرة واللوم المتبادل بحدة حول التسبب في ظهور الوباء العالمي.
في الواقع تقوم أجهزة الاستخبارات في أزمة الكورونا بما تفعله دائمًا: فهي تقدم معلومات لا يمكن لأي شخص آخر الوصول إليها. وينطبق هذا في وجه الخصوص على دول مثل الصين أو إيران، اللتين لا توجد عموما ثقة كبيرة في المعلومات الرسمية الصادرة عنهما.
كما أن عمليات إغلاق الحدود وحظر التجول والحجر الصحي، التي يجري تنفيذها في أوروبا وأمريكا حاليا، تتسبب بطبيعة الحال في إغلاق قنوات معلومات واتصالات رسمية راسخة. وهنا يمكن لأجهزة المخابرات، التي تعمل بشكل جيد، أن تمد يد العون.