عزوف تيار المستقبل عن خوض الانتخابات النيابية اللبنانية واعتذار قيادات سنية بارزة، جعلا المكون السني في الشارع اللبناني أمام خيارين؛ إما مقاطعة الانتخابات، كما فعلت الزعامات، ,وإما الإقبال والمشاركة لبناء مرحلة جديدة مقبلة.
أسابيع قليلة تفصل لبنان عن انتخاباته التشريعية التي تبدو هذا العام مختلفة عما كانت عليه في الدورات السابقة. واللافت فيها هو غياب الزعامات السياسية السنية التي أعلنت عزوفها تباعاً عن الترشح، بدءاً من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل الذي كان يعد ثاني أكبر كتلة برلمانية، مروراً برؤساء الحكومات السابقين، تمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، الذين خرجوا أيضاً من دائرة الانتخابات المرتقبة، وأعلنوا عدم ترشحهم.
الغياب الأول لتيار المستقبل عن المشهد السياسي منذ 3 عقود، جاء بعد إعلان الحريري في كانون الثاني/يناير 2022 تعليق نشاطه في الحياة السياسية وعدم الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة. لم يكن إعلان انسحابه يقتصر على اسمه، بل دعا المنتسبين إلى تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها، وأكد ذلك بقوله إنّه يعلن “عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسمه”.
وأعقب إعلان الحريري تخبط كبير فيما يتعلق بمشاركة أنصار “المستقبل” في الاقتراع، فشريحة منهم رأت أن عزوف الحريري وعائلته السياسية عن خوض الانتخابات هو رسالة للناخبين بعدم التوجه إلى الصناديق، وشريحة أخرى لم تلتمس منعاً من قبل الحريري لجمهور تياره للمشاركة في الانتخابات، وهذا ما أكده الوزير اللبناني الأسبق رشيد درباس الذي قال إنّ كلمة الحريري لم تدعُ أنصاره إلى المقاطعة.
هذا الواقع دفع دار الفتوى إلى ملء الفراغ الحاصل، والتدخل المباشر على خط حث الجمهور على المشاركة في الانتخابات ورفض أي دعوة صادرة للمقاطعة. وقد عبر مفتي الجمهورية اللبنانية، عبد اللطيف دريان، عن ذلك، داعياً الجميع إلى “التصويت الكثيف والنزول إلى صناديق الاقتراع”.
وفي لقاء جمع المفتي دريان والرئيسين ميقاتي والسنيورة، غداة مغادرة الحريري البلاد في شباط/فبراير الماضي، تم الإعلان صراحة عن أن “لا مقاطعة للانتخابات، بل مشاركة للحفاظ على دور الطائفة السنية وموقعها في المعادلة الوطنية”.
عشوائية في اللوائح الانتخابية وغياب للرؤى السياسية
الكاتب في الشؤون السياسية غسان ريفي قال لـ”الميادين” في وقت سابق إنّ التخبط السياسي الذي يشهده المكون السني في معركته الانتخابية يبدو جلياً، والدليل على ذلك هو كثرة اللوائح الانتخابية السنية التي لم يرَها ريفي “مؤشراً إيجابية، بل إثباتاً لعدم وجود قيادات تنظم هذه العشوائية في اللوائح”.
وتحدث ريفي عن دائرة طرابلس كمثال، مشيراً إلى وجود 11 لائحة، 4 منها أساسية. وما زاد عدد اللوائح هو “دخول لوائح الثورة والمجتمع المدني في السباق للانتخابات، والتي بلغ عددها 7 لوائح”، قائلاً إنّ هذا يشير إلى وجود تشظٍ وانقسام وغياب للرؤى السياسية، انبثق عنه هذا العدد.
بدوره، قال النائب اللبناني مصطفى علوش (استقال مؤخراً من تيار المستقبل وترشح لخوض الانتخابات) إنّ إشكالية غياب الحريري عن الانتخابات تكمن في شعبيته، وجمهوره السني الكبير في لبنان، وفي العاصمة بيروت على وجه الخصوص، معتبراً أنّ “غياب زعيم تيار المستقبل أثار مخاوف ترتبط بعزوف مناصريه عن المشاركة في عمليات الاقتراع، وبالتالي سيخسر المكون السني عدداً لا يستهان به من أصوات الناخبين”، وأكد أن الحريري دعا أنصاره إلى المشاركة. ومن هذا المنطلق يسعى سياسيو “المستقبل” لإقناع الجماهير بالتوجه نحو الصناديق والإدلاء بأصواتهم.
وأضاف علوش أنّ هدف مناصري الحريري هو التوجه الفعلي للاقتراع، لتمثيل المناطق السنية بشكل حقيقي في مجلس النواب، معرباً عن قلقه من ضعف الإقبال السني عموماً على الصناديق، لأن ذلك سيؤثر في تمثيل هذا المكون في الانتخابات، وبالتالي اختلال ميزان القوى داخله، وتفوق أحزاب أخرى قد يقبل مناصروها بكثافة على الانتخابات.
ولادة جديدة!
النائب اللبناني الوليد سكرية كان له رأي آخر، فقد وجد في عزوف الحريري والقيادات السياسية السنية البارزة عن الانتخابات فرصة لولادة سياسية سنية جديدة، ومرحلة مؤاتية لضح الدم الجديد في هذا المكون اللبناني وواجهاته السياسية التي لم تتغير منذ عقود، قائلاً إن “مرحلة عائلة الحريري كان ينبغي أن تنتهي”، لأنها، في رأيه، “ألغت كل الزعامات السنية، وحصرتها بهذه العائلة فقط”، لافتاً إلى أنّ كل القيادات السنية السابقة يجب أن ينتهي دورها.
وبالنسبة إلى التخوف من نسبة الإقبال على الانتخابات، أضاف سكرية لـ”الميادين نت” أنّ بيروت خاصةً، لكونها تضم نسبة كبيرة من أنصار “المستقبل”، ربما تشهد حالة من الضياع بعد عزوف الحريري والقيادات البيروتية، لكن عدد اللوائح في المناطق اللبنانية الأخرى التي تضم مرشحين من الطائفة السنية تبشر بإقبال كبير، متابعاً أنّ القيادات الحالية والمرشحة للانتخابات ضعيفة نسبياً، لكن عند وصولها إلى المجلس ستثبت نفسها ودورها، والشعب اللبناني في النهاية هو الذي سيحاسبها على الأخطاء.
يشار إلى أنّ باب الترشح للانتخابات النيابية أغلق على 1043 مرشحاً. وتظهر بيانات وزارة الداخلية أنّ أعداد الناخبين المسجلين في القائمات الأولية ناهز 3.97 ملايين، بينهم أكثر من 225 ألف مغترب.
ويشكل أبناء الطائفة السنية في لبنان، القوة الناخبة الأكبر في لبنان، إذ بلغ عددهم 1.081.520، بفارق بسيط عن الطائفة الشيعية البالغ تعداد الناخبين فيها 1.073.650 بحسب لوائح الشطب الصادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية، وذلك من أصل 3746483 ناخباً.
المصدر: الميادين