واشنطن- مع ترقب إعلان البنتاغون عن نشر نظام الدفاع الصاروخي “ثاد” في إسرائيل -والذي سيعمل جنود أميركيون على تشغيل بطارياته لاعتراض الصواريخ الباليستية في حال وصولها إسرائيل- يتأكد فشل الهدف الأميركي الذي كررته إدارة الرئيس جو بايدن منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى بأن أحد أهم أهداف إدارته يتمثل في حصر الصراع داخل قطاع غزة.

ومع توسع رقعة الصراع والقتال على مدى الأسابيع الأخيرة أصبحت إيران لاعبا أساسيا فيه، وذلك بإطلاقها مئات الصواريخ في أبريل/نيسان الماضي على إسرائيل، ردا على تدمير قنصليتها في دمشق وقتل عدد من قادتها العسكريين، ثم إطلاقها ما يقارب 180 صاروخا باليستيا على إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو ما ساهمت القوات الأميركية بالمنطقة في إسقاط معظمها.

وبعيدا عن الخطاب الدبلوماسي للبيت الأبيض عززت إدارة بايدن انتشار القوات الأميركية، كما أن واشنطن تحتفظ حاليا بنحو 40 ألف جندي في قواعد بدول عدة في الشرق الأوسط، ومع نشر بطاريات نظام “ثاد” يحذر عدد من المعلقين الأميركيين من مخاطر انزلاق بلادهم إلى صراع أكبر ومباشر مع إيران.

تجاهل المصالح

يدرك عدد من خبراء الشؤون الخارجية في واشنطن مخاطر التورط في صراع مباشر مع إيران، وهو ما لا يخدم أيا من مصالح أميركا بالمنطقة.

وفي حديث للجزيرة نت اعتبر خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت المحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون أن “إسرائيل تأخذ الولايات المتحدة إلى حرب ضد إرادة واشنطن ومصالحها”.

وأضاف الخبير أن الحرب في الشرق الأوسط ستكون ضارة بمصالح الولايات المتحدة، سواء في المنطقة أو في بقية العالم، فرغم أن الرئيس بايدن دعا الحكومة الإسرائيلية إلى وقف التصعيد فإنه لم يفعل شيئا لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو بالانصياع له، في حين تواصل واشنطن إرسال الأسلحة والذخائر لقتل الفلسطينيين واللبنانيين.

من جهتها، أوضحت الباحثة المتخصصة في العلاقات الدولية وسياسة واشنطن الخارجية آسال راد للجزيرة نت أنه “طالما سُمح لإسرائيل بمواصلة هجومها في جميع أنحاء المنطقة -مع غياب أي مساءلة- فإن خطر نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق لا يزال قائما”.

وأضافت أن القضية المركزية التي تجاهلتها الولايات المتحدة هي الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود، والطريقة العنيفة المتزايدة التي تم بها قمع الفلسطينيين، مطالبة بوجوب أن تخضع إسرائيل لنفس المعايير القانونية مثل أي دولة أخرى، وألا يسمح لها بارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية أو انتهاك سيادة الدول المجاورة.

وضربت مثالا على ذلك بغزو إسرائيل لبنان وتنفيذها اغتيالات على الأراضي الإيرانية، وقالت “إذا صعّدت إسرائيل أكثر في هجوم على إيران فقد يتم جر الولايات المتحدة إلى حرب كان من الممكن منعها بسهولة”.

انزلاق

يشرف على ملف لبنان في البيت الأبيض آموس هوكشتاين، وهو أميركي إسرائيلي سبق له القتال في صفوف الجيش الإسرائيلي لسنوات، كما يتمتع بدعم من بريت ماكغورك مستشار شؤون الشرق الأوسط الأهم للرئيس بايدن، والذي يعد من أهم ان المتشددين تجاه إيران.

ويتبنى المسؤولان خطا متشددا يدعم كل ما تقدم عليه إسرائيل من هجمات دون أدنى اكتراث بالقانون الدولي أو بسقوط أعداد ضخمة من الضحايا المدنيين، كما لا يمانعان فيما يرونها فرصة لضرب إيران بعدما تم إضعاف حزب الله أهم حلفائها الإقليميين.

واعتبر جورجيو كافيرو خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج في حديثه للجزيرة نت أن إدارة بايدن تتحدث باستمرار عن الحاجة لخفض التصعيد في الشرق الأوسط “ومع ذلك، فإن تصرفات الإدارة هي كل ما يهم، وقد شجعت هذه الأعمال إسرائيل على التصرف بقوة وإعادة كتابة قواعد الاشتباك بطرق خطيرة”.

من جانبه، وفي حديث للجزيرة نت قال تريتا بارسي نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن إنه وبدلا من منع التصعيد الإسرائيلي اختارت إدارة بايدن تسهيله “والنتيجة النهائية أن الولايات المتحدة تنزلق نحو حرب إقليمية على الرغم من كل الادعاءات العلنية من قبل الإدارة بأنها تسعى إلى تجنب هذا السيناريو”.

نفوذ واشنطن

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم تقدم إدارة بايدن على استغلال ما لديها من أدوات للضغط على حكومة نتنياهو لوقف عدوانها أو لإدخال مساعدات إنسانية لغزة أو لدفعها نحو التهدئة مع إيران.

وتكتفي هذه الإدارة بتقديم خطاب علني هادئ مطالب بخفض التصعيد، وفي الوقت ذاته تبارك الهجمات الإسرائيلية، وتستمر واشنطن في إمداد إسرائيل بأحدث ما تنتجه المصانع العسكرية الأميركية، إضافة إلى المعلومات الاستخباراتية.

وتقول الباحثة آسال راد إن إصرار إدارة بايدن على رفض استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة والآن في لبنان “يهدد بنذر خطيرة”.

وتضيف “في الواقع، دعمت الولايات المتحدة تصرفات إسرائيل وتوسيع الحرب، ففي حالة إيران وعلى الرغم من حقيقة أنها كانت ترد على انتهاك إسرائيلي أولي لسيادتها فإن إدارة بايدن اتخذت موقفا مفاده أن لإسرائيل الحق في الانتقام”.

وتوضح المتخصصة في العلاقات الدولية أنه وبينما يعلن مسؤولو بايدن مرارا وتكرارا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها “فإن الحق نفسه لا يمتد إلى الفلسطينيين أو إلى الدول ذات السيادة مثل لبنان وإيران، مما يعكس الكيل بمكيالين والدعم غير المشروط لإسرائيل، في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الإقليمية في ظل عدم رغبة إدارة بايدن نزع فتيل التوتر”.

ومن الصعب فهم منطق هذه الإدارة -تقول راد- نظرا إلى أن الحرب لا تحظى بشعبية في الولايات المتحدة مع انتخابات تلوح في الأفق، خاصة أن تصرفات إسرائيل تخاطر بحرب أوسع من شأنها أن تضر بالاقتصاد العالمي وتسبب الموت والدمار غير المتوقعين.

هدف قديم

وتشير الكثير من التقارير ودراسات مراكز الأبحاث إلى أن الهدف الإسرائيلي القديم لم يتأثر بتغير هوية الأحزاب الحاكمة داخل إسرائيل أو الولايات المتحدة، إذ يرى عدد من الخبراء العسكريين أن إسرائيل تقترب كثيرا من تحقيقه.

وذكر خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك للجزيرة نت أن على إدارة بايدن “عدم التخلي عن إسرائيل حتى لو شمل ذلك عملا عسكريا ضد إيران”.

ويضيف “العودة إلى وضع ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول غير ممكنة، يجب أن يكون هناك نوع من الاتفاق الذي يقيد إيران ووكلاءها بغض النظر عما إذا كانت كامالا هاريس أو دونالد ترامب سيفوز في الانتخابات، يجب حل هذه المعضلة”.

بدوره، اعتبر خبير الشؤون الإستراتيجية جورجيو كافيرو في حديثه للجزيرة نت أن حكومة نتنياهو وضعت قدرا كبيرا من الطاقة في جهودها لجذب الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران عسكريا، سواء مباشرة مع كل مواجهة بين إسرائيل وطهران نفسها، أو ضد محور المقاومة الذي تقوده إيران “ويبدو أن فرص الحكومة الإسرائيلية في تحقيق هذا الهدف تزداد”.

واعتبر كافيرو أن “الحرب بين الولايات المتحدة وإيران ليست حتمية بأي حال من الأحوال، لكنها ستتطلب دبلوماسية ماهرة وضبط النفس من جانب واشنطن لتجنب مثل هذا السيناريو الذي سيكون كارثيا بشكل لا يصدق بالنسبة للشرق الأوسط”.

المصدر: الجزيرة

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version