لا نعرِف من الذي ذَكّر السيد سامح شكري، وزير الخارجيّة المِصري، وزملاءه الوزراء الآخرين الذين اجتمعوا أمس الثلاثاء بالقاهرة بسورية الدولة، حتى يُصدر تصريحه الذي قال فيه “هُناك مُشاورات عربيّة للتّوافق حول التّوقيت المُناسب لعودتها إلى الجامعة العربيّة”.
فالجامعة العربيّة ماتت، وانحَرفت عن دورها على ضعفه، مُنذ أن أُخرِجت منها سورية، وخضَعت لإملاءات بعض الدول الخليجيّة التي هيمنت على آليّة اتّخاذ القرار فيها، وهي الدول التي ضخّت عشَرات المِليارات من الدولارات لدعم مشروع تغيير النّظام في دِمشق بطبعته الأمريكيّة الغربيّة.
الجامعة العربيّة بصُورتها الحاليّة باتت هيكلًا عظميًّا بالمُقارنة بوضعها السابق عندما كانت معايير القِيادة فيها، وفي الدول الأعضاء فيها، تقوم على أساس العُروبة، ومُحاربة المشروع الإسرائيلي الاستيطاني المدعوم غربيًّا، فالحديث باستِحياء عن عودة سورية هذه الأيّام ينطلِق من مُنطلق اعتراف أصحابه بفشل من أخرجوها، أيّ الجامعة، عن ثوابتها العربيّة، ووظّفوها في خدمة مشاريع التّفتيت الإسرائيليّة والأمريكيّة.
جميع الخطايا التي عاشتها الأمّة العربيّة ابتداءً من الحرب في سورية، وقبلها في ليبيا والعِراق، ساهمت الجامعة العربيّة، بتوجيهٍ من الدول التي سرَقت القِيادة فيها، في غفلةٍ من الزمن، بالدّور الأكبر فيها، وأضفت نوعًا من الغِطاء العربيٍ عليها، تنفيذًا لإملاءاتٍ أمريكيّة.
يُطالبون بعودة سورية الآن لأنّها صمَدت وانتصرت، ولأنّهم فشِلوا وانهزموا، وباتت عوراتهم ظاهرةً على المَلأ، وبات بعضهم يُحاول “ترميم” خطيئته، ويُعيد فتح سِفاراته في العاصمة دِمشق، ويُرسل الوفود السريّة والعلنيّة إليها، وإلى معرضها التجاري السنوي الدولي، في مُحاولةٍ للتوبة والتّكفير عن الذنب.
الأمر لا يتطلّب إجراء مُشاورات للتّوافق على الوقت المُناسب لعودة سورية إلى مِقعدها في الجامعة العربيّة، لأنّه لا يُشرّف سورية العودة هذه الأيّام إلى هذه الجامعة، كما أنّه لا يُشرّفها أن يختار هؤلاء موعد عودتها، وعليهم أن يعتذروا أوّلًا، نظريًّا وعمليًّا، عن جميع خطاياهم دون أيّ تلكؤ.
نُدرك جيّدًا أن الدبلوماسيّة السوريّة لا تهتم بهذا الموضوع، ولا تُعلّق على مِثل هذه التّقارير والتّصريحات، ليس لأنّ الجُرح كبير، وفي الكف، وإنّما أيضًا لأنّ هُناك الكثير من القضايا الأكثر أهميّةً التي تحظى بالنّصيب الأكبر من اهتماماتها، وأبرزها استعادة السيادة على ما تبقّى من الأراضي السوريّة.
إذا قرّرت القيادة السوريّة الترفّع على هفَوات الصّغار، والعودة إلى الجامعة، لإنقاذها من الحالِ المُزري الذي تعيشه حاليًّا، فإنّنا نتمنّى أن يكون مندوبها في وزن وثُقل الدكتور بشار الجعفري، الدبلوماسي الخبير، والقويّ، الذي يعرِف كيف يتعاطى مع هؤلاء، ويُصحّح مسار الجامعة، ويُعيد لها هيبتها التي افتقدتها، تمامًا مثلما فعل، ويفعل، من خِلال موقعه في الأُمم المتحدة، مع تسليمنا بأنّه يستحق دورًا أكبر من ذلك.
“رأي اليوم”